لذلك ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ آمَنْتُ بِالَّذِي خَلَقَكَ ثَلَاثَ مـرَّاتٍ ثُمَّ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا وَجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا *
(رواه أبو داود) أي هو خير لنا ، ولكنه يرشدنا إلى الله عزَّ وجل ، فلا أدري إذا كان التوضيح لكم كافياً ، فكيف يشرق القمر كل يوم متأخراً خمسين دقيقة ؟ لولا تفاضل السرعتين لاستفادت جهة واحدة من القمر ، وبقيت جهات الأرض الأُخرى محرومةٍ منه ، أما هذا التفاضل بين سرعتي القمر والأرض فقد جعلت القمر يعُمُّ الأرض كلها ، ويراه جميع من في الأرض .
تنقُّل القمر حول الأرض من جهة الشمس إلى جهةٍ مقابلة إلى جهةٍ ثالثة ورابعة جعل القمر لا يبدو أبداً ، أي محاقاً ، ثم يبدو هلالاً ، ثم يبدو نصف دائرة ، ثم يبدو بدراً ، إذاً جُعل القمر تقويماً في السماء .
الحقيقة لو كان الإنسان يزن وهو على الأرض ستين كيلو غراماً ، ووقف على القمر لكان وزنه عشر كيلوات فقط ، ولو مسك إنسان كرة ، وألقاها في الأرض بكامل قوته ، وكانت الكرة حديدية لارتفعت خمسة أمتار ، ولو ألقى هذه الكرة على سطح القمر لاندفعت إلى ثلاثين متراً ، إذاً الجاذبية شيء عظيم .. وبعض المفسرين فسَّر قوله تعالى :
والقت ما فيه وتخلت 4
( الانشقاق : آية " 4 " )
أي انعدمت الجاذبية ، فما الذي يجعل الأشياء مرتبطة بالأرض ؟ الجاذبية .. فأي شيء إذا تركته يسقط ، فما هو السقوط ؟ أي انجذاب هذا الشيء إلى الأرض ، فما وزن الشيء ؟ هو قوة انجذابه إلى الأرض ، لذلك فالبحار في المحيط الجنوبي وفي نصف الكرة الجنوبي الإنسان بنظرة ساذجة يتساءل كيف متعلقة ؟ أي إذا سافر شخصٌ إلى الأرجنتين فهل يجد السماء من تحته ، والأرض من فوقه ، كيف ينظر هذا ؟ لو سافر شخص إلى بلاد تقع في نصف الكرة الجنوبي تبقى السماء نحو الأعلى ، والبحر نحو الأسفل ، إذاً ما تعريف السماء ؟ هي جهةٌ مقابلةٌ لمركز الأرض ، أينما ذهبت على سطح الأرض ترى السماء سماءً والأرض أرضاً ، فالأرض هي كرة ، لذلك هذه القوة التي ربطت كلَّ ما على الأرض من ماء ومن هواء ومن أشياء بالأرض هي قوة الجذب القوية واللطيفة ، ولا تراها ، فارتباط القمر مع الأرض بقوة الجذب الهائلة ، لكن ليست حبالاً أو أعمدة ، قوة جذب لطيفة ، قوية ولطيفة بآن واحد تخترقها ، هذه السارية هي حاجب تحجب الرؤية ، ولا يستطيع الإنسان أنّ يخترقها ، لكن ما قولك لو كان الجامع مبنيًا على سواري قوى خفية غير مرئية ، ولا يوجد حواجز على الإطلاق ، هذا شيء ليس بطاقة البشر، هكذا الجاذبية...
لذلك فإن الأرض ساكنة سكونًا مطلقًا ، فإذا كانت الأرض ساكنةً سكوناً مطلق وهي متحركة، فهذه آيةٌ كبيرة ، هي متحركة وتنتقل مسافة ثلاثين كيلو مترًا في الثانية ، فهذه السرعة الدقيقة ، وهذا السير على خط ثابت يفسِّره قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السماوات وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا
( سورة فاطر : آية " 41 ")
ومعنى "تَزُولاَ" ، أي أن السماوات والأرض وكل الكواكب في السماء والنجوم والأجرام لها مسارات دقيقة لا تحيد عنها ، كقطار له سكة لو حاد عنها يحتاج إلى آلات ضخمة حتى ترجعه إليها : إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السماوات وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا(41)
( سورة فاطر : آية " 41 ")
هذا شيء مستحيل إذاً ، واللهُ عز وجل عندما أوضح لنا هذه الآيات فالشفق يدل على وجود الهواء ، يقول العلماء : إن بعض الكواكب ليس فيها هواء فما هو السبب ؟ قالوا : لأن قوة الجذب خفيفة ، وقوة الجذب الضئيلة تجعل الطبقات الهوائية تتفلت من على هذا الكوكب وتهجره ، لذلك فحجم الأرض مناسب جداً ، وهذا الحجم يعني جاذبية بحجم معين ، وهذه الجاذبية ربطت البحار والهواء بالأرض ربطاً نهائياً .
قال العلماء : القمر يقدِّم إلى الأرض أشعة وحرارة تساوي واحدًا على مئة وخمسة وثمانين ألف جزء من أشعة الشمس وحرارتها ، أي أنه لطيف ، وفي الليالي البيضاء المقمرة يُرى الطريق ، حتى الحرارة كما بينت قبل قليل مِن أن القمر يقدم لنا حرارة مقدارها واحد على مئة وخمسة وثمانين ألف جزء من أشعة الشمس وحرارتها .
كما قلت قبل قليل أيضا لولا الأرض لسار القمر في خطٍ مستقيم مبدئياً ، ولكان له مدار طويل حول الشمس ، ولكن الأرض واقترابها منه جعلته يرتبط بها ، ولولا القمر لدارت الأرض حول نفسها في أربع ساعات ، ولصار الليل ساعتين ، والنهار ساعتين ، وهذا لا يحتمل .
إنّ سرعة القمر حول الأرض ثلاثة آلاف وخمسمائة كيلو متر في الساعة ، ولو تصورنا أن مدفعاً أطلق من على سطح القمر فلا يحتاج ضارب المدفع إلى أن يغلق أذنيه ، إذْ لا صوت له، والقمر لا ليس فيه هواء ، فما دام لا هواء فيه فليس له وسط ينقل الصوت ، لذلك فإنّ الهواء في الأرض نعمةٌ كبرى ، فكلامي مسموع بسبب الهواء ، ولولا الهواء لما سَمِعَ أحدٌ من كلامي شيئاً ، إذاً فلا بد من وسطٍ مرنٍ ينقل الصوت ، وينقل الحرارة ، وينقل البرودة ، التكييف مركزي، أي هواء بارد ، تدفئة مركزية ، أي ماء ساخن لامس الهواء فجعله ساخناً ، والغرفة دافئة ، فلو أن الإنسان فكَّر في الهواء فقط كيف ينقل الصوت والحرارة والبرودة والضوء لكفى ذلك دليلا على الله ، لكن على سطح القمر لا صوت يسمع ، ولا برودة تنتقل ، ولا حرارة ، وفي النهار ثلاثمائة وخمسون درجة ، وفي الليل مائتان وخمسون درجة تحت الصفر ، إذاً ما دور الهواء على سطح الأرض ؟ دور ملطِّف ، الهواء جهاز تكييف يحتفظ بالحرارة ويخفف البرودة ، لذلك تجد الدرجات معقولة ما بين عليا عشرين ودنيا ثلاث ، أو خمس وعشرين ، وعشرة درجات ، أو عشرين وخمسة وثلاثين ، فالدرجات معقولة جداً بين الليل والنهار بفضل الهواء ، فهذه كذلك إشارات دقيقة جداً ، أنَّ الهواء ينقل لكَّ الصوت ، ينقل لكَ الحرارة ، ينقل لكَ البرودة، وينقل لك الضوء ، ويلطِّف الجوّ ، ويجعل درجات الحرارة متقاربة ، وهذا كلّه بفضل الهواء ، فلذلك ربنا عزَّ وجلَّ قال :
فلا اقسم بالشفق 16 والليل وما وسق 17 والقمر اذا اتسق 18
ومعنى "وسق" ، أي ما احتوى ، ومعنى "اتسق" ، أي إذا تمَّت استدارته ، أي أصبح بدراً .
فلا اقسم بالشفق 16 والليل اذا اتسق 17 والقمر اذا اتسق 18 لتركبن طبقا عن طبق 19
( سورة الانشقاق : الآية " 16 - 19 " )
هذا جواب القسم :
لتركبن طبقا عن طبق 19
ما معنى هذه الآية ؟؟!
فعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : "لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ" حَالًا بَعْدَ حَالٍ ، قَالَ هَذَا نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(رواه البخاري)
فأنت شاب ليس لك خيار في الموضوع ، لا بدَّ أن تصبح كهلاً ، ولا بدَّ أن تصبح شيخاً ، بمعنى التقدُّم في السنّ ، ولا بدَّ أن تدخل القبر ، ولا بدَّ أن تُبعَث ، ولا بدَّ أن تقف بين يدي الله عزَّ وجلَّ ، ولا بدَّ أن تحاسَب على أعمالك ، تكون نطفةً ، ثمَّ جنيناً ، ثمَّ مولوداً ، ثمَّ طفلاً ، ثمَّ شاباً ، ثمّ رجلاً ، ثمَّ كهلاً ، ثمَّ شيخاً ، ثمَّ ميْتاً تحت التراب ، ثمَّ مبعوثاً حياً ، ثمَّ واقفاً للحساب ، ثمَّ إلى الجنّة أو إلى النار ..
فلا اقسم بالشفق 16 والليل اذا اتسق 17 والقمر اذا اتسق 18 لتركبن طبقا عن طبق 19
( سورة الانشقاق : الآية " 16 - 19 " )
فلا بدَّ من أن تمروا بهذه المراحل .
يقول لك الواحد باللغة الدارجة ، " فتِّح عين ، أغمض عين" ، ولَّى الصيف ، فتح عين واغمض ولَّى الشتاء ، فالإنسان يدخل الجامعة يستكثر الأربع سنوات ، فتح عين وأغمض عين انتهت الدراسة الجامعية ، ثم هو قد تزوج ، وجاء له أولاد ، وزوجهم وأصبح جدًّا ..
أي نحن نسير في اتجاه إجباري ، وبسرعة ثابتة ، ليس لنا خيار فيها ، والأيام تدور ، والسنوات تمر ، والليل والنهار يُبلِيان كلَّ جديد ، ويقربان كلَّ بعيد ، والإنسان مجموعة أيام ، كلَّما انقضى منه يومٌ انقضى جزءٌ منه :
فلا اقسم بالشفق 16 والليل اذا اتسق 17 والقمر اذا اتسق 18 لتركبن طبقا عن طبق 19
( سورة الانشقاق : الآية " 16 - 19 " )
حالاً بعد حال ، وهذا تفسير أوّل .
وهناك تفسير آخر ..
أيضاً حالاً بعد حال ، قد ينتقل المرء من الفقر إلى الغنى إذا كان شاكرًا ، أو ينتقل من الغنى إلى الفقر ، وقد ينتقل المرء من الرخاء إلى الشدة ، أو من الشدة إلى الرخاء ، ومن الصحة إلى المرض ، أو من المرض إلى الصحة ، أي كلُّ حالٍ يزول .. فالإنسان لا يطمئن للدنيا ، اليوم أنت شابَّ وليس فيك من بأس ، وفي خلال دقائق توقفت الحركة ، وأصبح يحتاج إلى زحّافة ، يريد من يحمله إلى المرحاض ، أحياناً يبكي ..
لتركبن طبقا عن طبق 19
وعلى الإنسان أنْ يتعلق بالله عزَّ وجلَّ ، لا أنْ يتعلق بالدنيا ، ويضع ثقته كلها بالله عز وجل ، قال عليه الصلاة والسلام : الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَلَا إِضَاعَةِ الْمَالِ وَلَكِنَّ الزَّهَادَةَ فِي الدُّنْيَا أَنْ لَا تَكُونَ بِمَا فِي يَدَيْكَ أَوْثَقَ مِمَّا فِي يَدَيِ اللَّهِ وَأَنْ تَكُونَ فِي ثَوَابِ الْمُصِيبَةِ إِذَا أَنْتَ أُصِبْتَ بِهَا أَرْغَبَ فِيهَا لَوْ أَنَّهَا أُبْقِيَتْ لَكَ*
(رواه الترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ)
الشفق أي الهواء ، والسحاب وبخار الماء ، وكروية الأرض ، وتبدل غروب الشمس .
كل شيء ، وجميع الكائنات يحتويها الليل ، وتسكن في الليل .
هذا التابع له فضل على الأرض في الجاذبية ، وفي المد وفي الجزر ، والأرض لها فضلٌ عليه - مجازاً فالفضل لله عزَّ وجل - في ارتباطه بها ، والقمر بُعدُه عنا مناسبٌ جداً.. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ(5)
( سورة الرحمن : آية " 5 " )
لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ(40)
( سورة يس : آية " 40 " )
من دون قمر يصبح النهار ساعتين ، والليل ساعتين ، وبوجود القمر يكون الليل والنهار أربعًا وعشرين ساعة .
فما لهم لا يؤمنون 20
( الانشقاق : آية " 20 " )
سبحان الله ! كأنَّ الله سبحانه وتعالى يعجب منهم .. فما الذي يمنعكم أن تؤمنوا ؟!! لقد أعطيتكم فكراً ، وأعطيتكم كوناً ، والكون تجسيدٌ لأسماء الله الحسنى ، فإذا أردت أن تعرف الله فدونك الكون ، قال عليه الصلاة والسلام : حسبكم الكون معجزة *.
الكون قرآنٌ صامت ، والقرآن كونٌ ناطق ، الإمام محمد عبده يقول : إن لله في أرضه كتابين ؛ الكون والقرآن .
فما لهم لا يؤمنون 20
ما الذي يمنعهم من الإيمان ، والمرءُ مشغول بماذا ؟ هل في الأرض شيء أهم من معرفة الله عزَّ وجل ؟! ما دمت سوف تكون مع الله إلى أبد الآبدين ، حينما يدفن الإنسان في قبره يقول الله له عزَّ وجل : عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا أنا ، وأنا الحيُّ الذي لا يموت*.
فما دام الله سبحانه وتعالى إليه المصير ، وإليه المنقلب ، إلى أبد الآبدين ، فما هذا الكلام إذْ تدّعي أنك مشغول ، .. لماذا لا تحضر معنا ؟ يجيب بأنه مشغول ، وعندهم الآن موسم ، أو حتى يرتاح بالي ، بالك لن يرتاح أبداً..
فما لهم لا يؤمنون 20