ولا نحتاج أن نرتكب المعاصي والعياذ بالله والكبائر لكي نتوب، فالعاصي محتاج الى توبة،والتائب محتاج أن يجدد توبته،فهي واجب على المسلم كل يوم مرات عديدة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(والله اني لأستغفر الله وأتوب اليه في اليوم أكثر من سبعين مرة).
وهو رسول الله المعصوم عن الخطأ،فما بالكم نحن الذين نخطئ فى اليوم مرات عديده،حتى لو كانت أخطاء صغيرة وذنوب ليست من الكبائر
"لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاةٍ، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح"
وقال عمر رضى الله عنه : حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا, وزنو اعمالكم قبل ان توزن عليكم ,وتجهزوا للعرض على الله "يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافيه "
ثالثا:شروط التوبة الصادقةذكر العلماء للتوبة الصحيحة شروطًا ينبغي أن تتوفر وهي:
1-الاقلاع عن المعصيه.
فيترك التائب الذنب الذي أراد التوبة منه باختياره، سواء كان هذا الذنب من الكبائر أم من الصغائر
2-الندم على فعلها.
بمعنى أن يندم التائب على فعلته التي كان وقع فيها ويشعر بالحزن والأسف كلما ذكرها.
3-العزم على عدم العوده اليها ابدا.
وهو شرط مرتبط بنية التائب، وهو بمثابة عهد يقطعه على نفسه بعدم الرجوع إلى الذنب.
4-التحلل من حقوق الناس.
وهذا إذا كان الذنب متعلقًا بحقوق الناس، فلابد أن يعيد الحق لأصحابه، أو يطلب منهم المسامحة.
رابعا:علامات قبول التوبة-منها : أن يكون بعد التوبة خيرا مما كان قبلها.
- منها : ألا يزال الخوف مصاحباً له لايأمن مكر الله طرفة عين فخوفه مستمر الى أن يسمع قول الرسل لقبض روحه "
ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا الجنة التى كنتم توعدون" فهناك يزول خوفه (فصلت 30)
- منها : أنخلاع قلبه وتقطعه ندما وخوفا وهذا على قدر عظمة الجناية وصغرها ، وهذا تأويل ابن عيينة لقوله تعالى
" لا يزال بنيانهم الذى بنوا ربية فى قلوبهم الا أن تقطع قلوبهم " قال تقطعها بالتوبة ( سورة التوبة الأية 110 )
- ومنها كسرة خاصة تحصل لا يشبهها شئ ولا تكون لغير المذنب وهى تكسر القلب بين يدى الرب كسرة عامة قد أحاطت به من جميع جهاته وألقته بين يدى ربه طرفاً ذليلاً خاشعاً.
خامسا: لا تيأس من رحمة اللهفهم بعض الناس أن من أذنب ذنبا عظيما فلا توبة له
فهل هناك أخي العزيز أعظم من الشرك والكفر بالله العظيم ؟
فمن أعلن إسلامه غفر الله له ذنبه والإسلام يهدم ما كان فيه
أفلا يغفر الله عز وجل ما دون الشرك من الذنوب مهما عظمت
قال تعالى((
إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ))
فمهما عظم ذنبك فرحمة الله أوسع ......
فيا أيها العاصي أقبل على ربك مهما عظم ذنبك.......
يقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
كنت أسير في طريقي فإذا بقاطع طريق يسرق الناس ، ورأيت نفس اللص يصلي في المسجد ، فذهبت إليه وقلت: هذه المعاملة لا تليق بالمولى تبارك وتعالى ، ولن يقبل الله منك هذه الصلاة وتلك أعمالك ...
فقال السارق : يا إمام، بيني وبين الله أبواب كثيرة مغلقة ، فأحببت أن أترك بابا واحدا مفتوحا.
بعدها بأشهر قليلة ذهبت لأداء فريضة الحج ، وفي أثناء طوافي رأيت رجلا متعلقا بأستار الكعبة يقول : تبت إليك .. ارحمني .. لن أعود إلى معصيتك ..
فتأملت هذا الأواه المنيب الذي يناجي ربه، فوجدته لص الأمس فقلت في نفسي: ترك بابا مفتوحا ففتح الله له كل الأبواب'.
فإياك أن تغلق جميع الأبواب بينك وبين الله عز وجل حتى ولو كنت عاصيا وتقترف معاصيَ كثيرة ، فعسى بابا واحدا أن يفتح لك أبوابًا
وليكن بابك هو باب التوبة .
وايضا فهم بعض الناس الخاطئ أن من أذنب ثم تاب ثم أذنب ثم تاب وتكرر منه الذنب انه لا توبة له بحجة حيائه من الله من كثرة رجوعه إلى الذنب.
وليعلم الأخ الكريم أن الواجب على العبد التوبة كلما احدث ذنبا
واياك ان تبلغ درجة الياس من رحمة الله وعفوه ومغفرته فمن ياس من رحمة الله فقد عصى الله عز وجل واستولت عليه الشياطين فلا بد ان يقوى رجاؤه بربه وأن يقوى جانب الرجاء على الخوف من الله عز وجل.
فلما قسا قلبي وضاقت مذاهبى
جعلت الرجاء مني لعفوك سلما
سادسا: أخى التائبحين تقع في المعصية وتلم بها فبادر بالتوبة وسارع إليها , وإياك والتسويف والتأجيل فالأعمار بيد الله عز وجل , وما يدريك لو دعيت للرحيل وودعت الدنيا وقدمت على مولاك مذنبا عاصي ,ثم أن التسويف والتأجيل قد يكون مدعاة لاستمرار الذنب والرضا بالمعصية , ولئن كنت الآن تملك الدافع للتوبة وتحمل الوازع عن المعصية فقد يأتيك وقت تبحث فيه عن هذا الدافع وتستحث هذا الوازع فلا يجيبك .
لقد كان العارفون بالله عز وجل يعدون تأخير التوبة ذنبا آخر ينبغي أن يتوبوا منه قال العلامة ابن القيم " منها أن المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور , ولا يجوز تأخيرها , فمتى أخرها عصى بالتأخير , فإذا تاب من الذنب بقي عليه التوبة من التأخير , وقل أن تخطر هذه ببال التائب , بل عنده أنه إذا تاب من الذنب لم يبقى عليه شيء آخر"
*وقبل أن أختم كلامي معك، كأنني بك تتساءل، ما هو الثمن الذي أرجوه وما هو جزائي إن تبت إلى الله وأنبت؟
فأقول لك الثمن .......
الجنة
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر » .
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها » .
وفي صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها » .
قال ابن القيم: وكيف يقدر دار غرسها الله بيده، وجعلها مقراً لأحبابه، وملأها من رحمته ورضوانه.
فحي على جنات عدن فإنها
منازلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى
نعود إلى أوطاننا ونسلم
فتدبر أيها العاقل حالك .. وحاسب نفسك قبل أن تحاسب !
ولا تكوننّ كأولئك الغافلين ؛ الذين أسالوا دموع الهوى .. وانقطعت عنهم دموع الخشية !
تذكر فظائع الأمور التي ستقدم عليها : سكرات الموت ! والقبر ، وأهوال القبور ، وفظائع يوم الحشر ّ والمرور على الصراط !
فاعمل أخي ليوم التراب .. وتهيأ لساعة الحساب ..وأذرف الدمع قبل أن ترحل من باب الخراب .. وفِرَّ إلى الرحمن الرحيم ..