االسلام عليكم ( سأتكلم اليوم عن السيرة النبوية ) السيرة النبوية هي مجموعة الأحداث والوقائع التي يتكون منها نسيج حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- من مولده إلى أنْ لقي ربه، وكثير من كُتَّاب السيرةِ يقدمون لها بمدخلٍ طويلٍ أو قصيرٍ عن ملامح المجتمع الجاهلي وأبعاده، وأرى أنَّ ذلك ضرورة حتى تتضح أمامنا عظمة الحياة المحمدية، وجلال رسالة الإسلام، فبضدها تتميز الأشياء.
وصديقي خطيب أحد المساجد في القاهرة مغرمٌ في كثيرٍ من خطبه بتعطير الخطبة بواقعة أو أكثر من وقائع السيرة النبوية، وهو مسلك طيب؛ لأنه يذكر السامعين بشخصيةِ الرسول- صلى الله عليه وسلم- ويربطهم بهذه الفترة الذهبية في حياةِ المسلمين، بل البشرية جمعاء، كما أنَّ في ذلك متعة تُذهب عن السامعين ما قد يكون في الخطبة من جفاف.
ولكني آخذ عليه أنه يسرد الواقعة في سياقِ الخطبة، دون أن يتوقف أمامها معتصرًا ما فيها من دلالات نفسية، أو تربوية سلوكية، أو إنسانية بالمفهوم العام، كما أنه لا يحاول أن يربط الحدث بواقع المسلمين الذين يفتقرون إلى معرفة جوانب العظمة في حياة نبينا عليه الصلاة والسلام، حتى يواصلوا السير على الجادة البيضاء التي ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
خطيب في مسجد يلقي خطبة
ولأضرب مثالاً محددًا ساقه صاحبي في إحدى خطبه: كان حديثه عن فتح مكة.. وسرد على الناس كيف دخل النبي- صلى الله عليه وسلم- والمسلمون مكة، وأمر بتكسير الأصنام، وعلى ألسنة الجميع علا هتاف السماء: ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (الإسراء: من الآية 81).. وتمتع الناس بما سمعوه حقًا، فأسلوب صاحبي سليم جميل، ولكنه- للأسف- لم يوجِّه أنظار الناس إلى درس واحد من "دروس الفتح" وما أكثرها.
ولو كنت مكانه- حرصًا على إبراز الدرس والعظة- لوقفت مثلاً عند واقعة تكسير الأصنام وطرحت السؤال التالي: لماذا لم يقم النبي- صلى الله عليه وسلم- بتكسير الأصنام في العهد المكي قبل الهجرة؟ لقد كان يستطيع في هدأةِ الليل وتحت ستار الظلام أن يُرسل بعض أصحابه لتكسيرها دون أن يشعر أحد من الكفار- كما فعل سيدنا إبراهيم عليه السلام- لماذا لم يفعل النبي ذلك وأرجأ تكسير الأصنام إلى فتح مكة؟
إنه بُعد النظر وعبقرية النبوة.. فلو فعل ذلك ابتداءً، أو في أي يوم قبل الهجرة.. هجرتِهِ، وهجرة المسلمين إلى المدينة لكانت النتيجة:
1- قيام المشركين بمذبحةٍ عاتيةٍ ضحيتها المسلمون المستضعفون.
2- زيادة إصرارهم على الشرك، والتهاب عنادهم أكثر فأكثر.
3- قيامهم بإحلال أصنام أخرى مكان الأصنام المحطمة.
4- إثارة عرب الجزيرة الذين كانوا يُقدِّسون هذه الأصنام- شأنهم شأن قريش- وإن كان لبعض قبائلهم أصنام خاصة.
فتحطيم الأصنام في هذه الفترة لن يقتلع عقيدة الشرك من نفوس قريش، ومن معها، فانتظر عليه الصلاة والسلام حتى يزداد المسلمون قوةً، وتتضح معالم الإسلام أكثر وأكثر.. وتتهيأ النفوس لقبول الدعوة الجديدة.. ويكون للإسلام قوة عظمى تحميه.. وكان الفتح.. وحُطمت الأصنام.. واقتلعت جذورها من نفوس المشركين، وحلَّت محلها عقيدة التوحيد بطريقةٍ طبيعية عن اقتناع ورضاء.
وهو درس خالد للدعاة والقادة وكل ذي مسئولية: ألا تتعجلوا الثمرة، وأن يكون كل عمل بحساب ورويّة وتفكير متزن سديد.
وفي اعتقادي أن خطبة الجمعة لو لعبتْ هذا الدور المهم في شرحِ معالمِ الإسلام ومنهجه للمسلمين لما تركت أرضًا للمفاهيم الخاطئة التي جرَّت على المسلمين في عصرنا الحاضر الوبال الذي يعيشون.