الحديث الاولعَنْ أَمِيرِ المُؤمِنينَ أَبي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ تعالى عنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ:
إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُوله فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُوله،
وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا، أَو امْرأَة يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ رواه إماما المحدثين البخاري ومسلم
فـــائدة :حديثنا هذا هو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، ولهذا قال العلماء:مدار الإسلام على حديثين: هما هذا الحديث،
وحديث عائشة:
"مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلِيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ" فهذا الحديث عمدة أعمال القلوب،
فهو ميزان الأعمال الباطنة، وحديث عائشة: عمدة أعمال الجوارح،
معنى الحديث :الأعمال : جمع عمل، ويشمل أعمال القلوب وأعمال النطق، وأعمال الجوارح،
فبالتالي تشمل هذه الجملة الأعمال بأنواعها.
فالأعمال القلبية: مافي القلب من الأعمال: كالتوكل على الله، والإنابة إليه، والخشية منه وما أشبه ذلك.
والأعمال النطقية: ماينطق به اللسان، وما أكثر أقوال اللسان،
والأعمال الجوارحية: أعمال اليدين والرجلين وما أشبه ذلك.
وينقسم حكم الأعمال إلى التالي : القسم الأول : الأعمال الواجبة التي يلزم استحضار النية لها، فلا تصح بدون نية،
لقوله -صلى الله عليه وسلم- ( إنما الأعمال بالنيات )
فالصلاة مثلاً لا تصح إلا بالنية، الزكاة لا تصح إلا بالنية، الصيام لا يصح إلا بالنية، والحج لا يصح إلا بالنية .
القسم الثاني : الأعمال المتروكة كشرب الخمر، السرقة ، الزنا،و جميع الأعمال المحرمة والمتروكة
مسألة ! هل يلزم الإنسان استحضار النية لها ؟
لا يلزم استحضار النية لكل فعل متروك، ولكن
تلزم النية العامة بان أترك المحرمات والمكروهات
القسم الثالث : الأعمال المباحة .
مثل النوم، الأكل، الشرب، السمر مع الأهل، السمر مع
الأصدقاء والزملاء، السفر للسياحة الغير محرمة، وغير ذلك
وهناك ثلاثة أقسام للاعمال المباحة : -
الأعمال المباحة التي قد يثاب على فعلها :
مثال على ذلك : النوم: قد ينوي الانسان عندما يأتي للنوم أنه راحة لجسمه؛ لكي يستأنف أعمال الطاعات الأخرى !
ولذلك ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول : أحتسب على الله نومتي، كما أحتسب على الله قومتي.
ويقاس على هذا الفعل المباح جميع الأعمال المباحة الأكل، الشرب، السمر، الذهاب، الإياب،
قضاء الفراغ بأشياء مباحة،فهذه إذا صاحبتها نية الطاعة؛ فحينئذ يؤجر العبد
ولهذا قال بعض أهل العلم: عبادات أهل الغفلة عادات، وعادات أهل اليقظة عبادات
-الأعمال المباحة التي لا يثاب ولا يأثم على فعلها :شخص اعتاد أن ينام بعد الظهر، أو اعتاد أن ينام الساعة العاشرة بالليل مثلاً أو نحو ذلك ووانتظم على هذه العادة
دون يستحضر نية العبادة، وبالمقابل لم يستحضر نية المعصية، فهذا لا ثواب له ولا عقاب عليه
-الأعمال المباحة التي قد يُأثم على فعلها: مثلا : الأصل في السفر الإباحة ولكن اذا نوى الانسان أن يسافر لارتكاب المحرمات فهنا يؤثم على سفره .
النيـــات: جمع نية وهي: القصد. وشرعاً: العزم على فعل العبادة تقرّباً إلى الله تعالى،
ومحلها القلب، فهي عمل قلبي ولاتعلق للجوارح بها ،
فلا تُنطق النيّة باللسان ! لأننا نتعبّد لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والله تعالى عليم بما في قلوب عباده،
وأيضاً لم يَرِدْ عن أسوتنا العظيمة رسول الله ( صلى الله عليه وسلّم ) ولاعن أصحابه رضوان الله عليهم أنهم كانوا
يتلفّظون بالنيّة ولهذا
فالنّطق بها بدعة يُنهى عنه سرّاً أو جهراً،
والمقصود من النية >> تمييز العادات من العبادات، وتمييز العبادات بعضها من بعض.
مثال على تمييز العادات من العبادات :- رجل يأكل الطعام شهوة فقط، ورجل آخر يأكل الطعام امتثالاً لأمر الله عزّ وجل
في قوله: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا )(الأعراف:الآية31) فصار أكل الثاني عبادة، وأكل الأول عادة !
مثال على تمييز العبادات بعضها من بعض : - رجل يصلي ركعتين ينوي بذلك التطوع، وآخر يصلي ركعتين ينوي بذلك الفريضة،
فالعملان هنا يأخذان نفس الهيئة ولكن قد تميّزا بالنية ،الرجل الاوّل يصلّي نفل والثاني يصلّي الواجب .
وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ : أي لكل إنسانٍ
مَا نَوَى : أي ما نوى على الذي سيعمل به ،
والناس يتفاوتون بسب النيّة تفاوتاً عظيماً، حيث تجد رجلين يصلّيان لكن بينهما أبعد مما بين المشرق والمغرب
أو مما بين السماء والأرض في الثواب، لأن أحدهما مخلص والثاني غير مخلص لله تعالى !
ثم ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً بالمهاجر فقال:
فَمَنْ كَانَتْ هِجرَتُهُ : الهجرة في اللغة: مأخوذة من الهجر وهو التّرك ،وأمّا في الشرع فهي: الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام.
وهنا مسألة: هل الهجرة واجبة أو سنة؟
والجواب: أن الهجرة واجبة على كل مؤمن لايستطيع إظهار دينه في بلد الكفر،
فلايتم إسلامه إذا كان لايستطيع إظهاره إلا بالهجرة،وما لايتم الواجب إلا به فهوواجب ..
كهجرة المسلمين من مكّة إلى الحبشة، أو من مكّة إلى المدينة.
إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُوله،: أي من كان يريدُ بهذه الهجرة وجه الله ونصرة دين الله ،
ويريد رسوله صلى الله عليه وسلّم ليفوز بصحبته ويعمل بسنته ( فيدافع عنها ويدعو إليها) ويذبّ عنه وينشر دينه ،
فهجرته هذه حينئذ إلى الله ورسوله، وسيحصد ثمرتها خيراً عظيما وكفاه أن الله تعالى يقول في الحديث القدسي
"
مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرَاً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعَاً "
ومَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا : بأن علم أن في البلد الفلاني تجارة رابحة فذهب إليها من أجل أن يربح،
فهذا هجرته إلى دنيا يصيبها، وليس له إلا ما أراد بنيّته .
أَو امْرأَة يَنْكِحُهَا : أي من هاجر من بلد إلى بلد لامرأة يتزوّجها، بأن خطبها
وقالت لاأتزوجك إلا إذا حضرت إلى بلدي فهجرته إلى ماهاجر إليه.
فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ : أي أنّه يحصد من هجرته نسبة إلى السبب الذي نوى الهجرة لأجله .
ونستخلص من هذا الحديث فائدة عظيمة وهي:الحثّ على الإخلاص لله عزّ وجل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسّم الناس إلى قسمين:
قسم: أراد بعمله وجه الله والدار الآخرة ، وقسم: بالعكس،
وهذا يعني الحث على الإخلاص لله عزّ وجل .
والإخلاص يجب العناية به والحث عليه، لأنه هو الركيزة الأولى الهامة التي خلق الناس من أجلها،
فالإخلاص لله تعالى يقتدي العبادة الصحيحة التي أوضح الله لنا في هذه الآية أنّها علّة وجودنا
قال تعالى: (
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)