أيها الزوجان . . ولكن !!
عادل بن سعد الخوفي
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين ، أشهد أن لا إله إلا هو رب الأولين والآخرين وقيوم السموات والأرضين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على هديه واقتفى أثره إلى يوم الدين، وبعد :
هاتفتني قائلة :
- السلام عليكم . .
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
- لقد كدت أهدم حياتي الزوجية بسبب مستشارة !!
- عفواً !! لم أفهم ما ترمين إليه !!
- سأوضح لك قصدي من خلال قصتي هذه :
حصل بيني وبين زوجي ( سوء تفاهم ) عابر - أظن أنه يحدث في أكثر البيوت - ترك زوجي منزله وتركني مع نفسي والشيطان اللذين بدأا يحملان الموقف أكثر مما يحتمل ، وحينها فكرت في أن ( أفضفض ) ما بداخلي عند شخصية قريبة من أسرتنا ، كنت سمعت عن حكمتها وحسن توجيهها .
أدرت رقم هاتفها رغبة في تخفيف الألم الذي اعتصر قلبي ، وتوجيهي لإصلاح ما حدث بيني وبين زوجي ، وكانت المحادثة :
السلام عليكم ورحمة الله
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أهلاً ( أم سلطان ) .
- ( بصوت ممزوج ببكاء ) يا سيدتي حدثت بيني وبين ( أبي سلطان ) مشادة ، و . .
- ( قاطعتني ) الله يعينك على ( أبي سلطان ) ، ويصبرك عليه ، أعرف تصرفاته وتعامله ، الحياة صعبة جداً معه ، وأرى أن تشتكيه لأهله ، أو تهجرينه في الفراش لشهر ونحو ذلك ، و و و . .
- ( قاطعتها ) لا . . أنا فقط فقط
- عموماً أنا معك دائماً ، وأي شيء يحصل بينكما أخبريني عنه مباشرة !!
أستاذي الفاضل : لقد ندمت أشد الندم على مكالمتي لتلك المرأة التي كنت أرغب منها تخفيف ما بداخلي ، وتوجيهي إلى ما يقرِّب بيني وبين زوجي ، إلا أنني وجدت منها شحني عليه ، وتوصيات رأيت أنها تباعد بيني وبينه .
اتجهت إلى مصلاي ، وصليت ركعتين دعوت الله فيهما بما فتح علي ؛ فرأيت نفسي قد سكنت ، ومحبتي لزوجي عادت ، فعزمت ألا أشكو زوجي إلا إلى الله سبحانه وتعالى أو إلى زوجي فقط ، وألا أكشف سراً خارج عشنا الزوجي ، وخصوصاً أن لزوجي من بحار الخير والمحبة لي ما يستر كل هفوة يقع فيها ، وحينها أرسلت رسالة إلى من استشرتها كتبت فيها ( شكر الله لك ، وغفر لي ما كان مني بحق زوجي ؛ فلقد ظلمته كثيراً ، وأسأت فهمه ، وما كان ذلك إلى بتزيين الشيطان للخلاف ، وبما عظَّم عندي من صغائر سلبياته حتى أصبحت كالجبال فلا أرى غيرها ، وحجب عني كل محمود منه ، فنسيت حسن خلقه واحترامه لي ومودته ووفائه ) أ.هـ
الخلافات في العش الزوجي كالملح للطعام !! لا يخلو بيت منه ، حتى بيوتات نبي الأمة صلى الله عليه وسلم لم تخل منها ، وكل من ظن أن بيته مليء بالخلاف دون غيره فقد وهم . . ولكن \" للبيوت أسرار \" ، كما لا يعني وصفنا للخلاف بالملح في الطعام بأنها دعوة لافتعال المشكلات . . وليس في ذلك دلالة على فقد الأسرة للمحبة والمودة بين الزوجين، وليس مؤشراً أيضاً على ضياع الأسرة وانهيار دعائمها .
ولذا فمن الأهمية بمكان لكل زوجين معرفة كيفية الاحتراز من وقوع الخلافات الزوجية ، والتعامل معها حين وقوعها :
1-التأمل في دلالات النصوص الشرعية التي تؤصل العلاقة بين الزوجين ، وتؤكد معانيها ؛ كقول الله تعالى : ( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ( الروم : 21 ) ولا يحصل السكون والمودة والرحمة إلا إذا كانت العلاقة بين الزوجين محاطة بسياج من الحب والإشباع العاطفي والتوافق بين الطرفين الذي يعني قدرة كل منهما على التواؤم مع الآخر، ومع مطالب الزواج ،وملاحظة أن نقيض ذلك يسمى تنافراً ، وهو ما يبدأ بحصول انطباعات سلبية من أحد الزوجين تجاه الآخر، أو بتصرفات من أحدهما مخالفة لرغبة الآخر .
2-التقرب إلى الله سبحانه بالأعمال الصالحة ، ومنها الدعاء وبإلحاح أن يؤلف بين قلب كل زوج للآخر ، وأن يجعلهما قرة عين لبعض ( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) ( الفرقان : 74 ) ، وأن تتمثل المرأة الخيرية الواردة في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( خير النساء التي تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره ) ( حديث حسن \" السلسلة الصحيحة - مختصرة ) ، وأن يتمثل الرجل الخيرية الواردة في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( خيركم خيركم لأهله ) ( حديث صحيح \" السلسلة الصحيحة - مختصرة ) .
3-( هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ) ( البقرة : 187 ) بهذا التعبير القرآني الفريد يصف لنا القرآن الكريم علاقة الزوجين ببعضهما ، فحاجتهما لبعض حاجة الإنسان للباسه لا يفارقه ويتجمل به ، وقرب الزوجين من بعض قرب اللباس من لابسه هو أقرب الكائنات إليه ، وَسِتْرُ كل زوج لزلاّت وهفوات الآخر كستر اللباس للابسه .
إن حياة كل زوج مكملة للآخر ، وهما شيء واحد في فكرهما وهمومهما وتطلعاتهما ، بل لقد أسعدنا المولى عز وجل إذ أكرمنا وبشَّرنا بأن يجمعنا في الآخرة في درجة الأعلى منَّا ( وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) ( الطور / 21 ) . يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله ( في ظلال القرآن / البقرة : 187) : \" فهي صلة النفس بالنفس ، وهي صلة السكن والقرار ، وهي صلة المودة والرحمة ، وهي صلة الستر والتجمل . وإن الإنسان ليحس في الألفاظ ذاتها حنواً ورفقاً ، ويستروح من خلالها نداوة وظلاً . وإنها لتعبير كامل عن حقيقة الصلة التي يفترضها الإسلام لذلك الرباط الإنساني الرفيق الوثيق ) .
4-العلاقة الزوجية علاقة وثِّقت بأقوى رباط ، لقد تمت باسم الله ورعايته وتحت شريعته ، ولذا فإن المحافظة على هذا الرباط وبناء قواعد متينة ليستقر عليها من أهم المهمات ، ومن هذه القواعد التي يجب أن يتعامل الزوجان من خلالها ما يلي :
= الصدق : فإن أريد لهذا البناء الاستقرار والبعد عن الاختلاف والمشكلات فلابد أن يكون الصدق محور التعامل والتعارف بين الزوجين ، فلا ينبغي أن يَظْهَر أحد الزوجين للآخر بصورة خلاف ما هو عليه ، سواء أكان ذلك بصفته الخَلْقِيَّة أم الخُلُقِيَّة ، وكذلك الشأن خلال معيشتهما اليومية .
= التواصل : وهذا من أهم المهارات التي تحافظ على بقاء هذا البناء ، فكم من الأزواج أو الزوجات من يشتكون من أنه لا تفاعل بينهم والطرف الآخر ، ولا تعامل معه ، ولا لغة مشتركة تجمعهما ببعض ، فلا أهداف مشتركة ولا هموم مشتركة ولا أسلوب في التربية مشترك ؛ ولذا فإن النتيجة : انهيار سريع .
= العاطفة : وهي وقود الحياة الزوجية ومحور عقدها وسبب وجودها ، إذا ما أُشبع خلف وراءه سعادة وطمأنينة ، وإذا لم يشبع فسيترك شعورا بالتعاسة والإحباط ، وحين يشعر أحد الزوجين بجوع عاطفي فإنه حتماً ما لم يحفظه الله سيبحث عمن يغذيه عاطفياً خارج بيت الزوجية وهنا تكون الانتكاسة ، ولذا لابد أن تقوَّى هذه العاطفة بين الزوجين لفظاً وفعلاً ومشاعر .
= القبول : فمن الواجب أن يقبل كل زوج زوجه بواقعه ، يقبله كله ، فلا تبعيض هنا ، وإن كان هناك نقص في فِكر أو سلوك أو مهارات ؛ فلْيُعِنْ أحد الطرفين الآخر على إكمال جزئه الآخر ، وليكن ذلك بصورة تكاملية وتعاونية بينهما .
= التسامح : فليس لدينا أحد يتصف بصفات الكمال ، و \" كل ابن آدم خطاء \" ولا يمكن أن تستقيم حياة يَحس أحد أطرافها أنه محاسب على كل شاردة وواردة يقوم بها ، ولذا فالتسامح الممهور بالحب والتوجيه اللطيف علامة صحة المسار بين الزوجين .
= الاحترام : الزوج أو الزوجة كتلة مشاعر ترغب إلى من يتعامل معها باحترام لكيانها وأفكارها بل ولكل من ينتمي إليها كوالديها مثلاً ، ولذا فالمفردات المُحَقِّرة ، والألفاظ الفاحشة ، والتجاهل السلبي ، والعقاب البدني اللامعقول كلها عقبات لحياة زوجية سعيدة ، وأما اعتماد لغة الحوار والمناقشة والاستماع واحترام الاختلاف في الرأي ومحاولة الوصول لنقاط مشتركة سيؤدي ذلك لحياة أسرية سعيدة .
5- لابد أن يذكر كل زوج للآخر ما يضايقه من أسلوب الآخر أو طريقة تعامله معه وما يحبه ، على أن يكون ذلك بطريقة مباشرة ، وبصورة مبكرة ، حتى لا يؤدي ذلك إلى رواسب يستحيل حينها تحملها أو علاجها .
روي أن شريحا القاضي قابل الشعبي يوما، فسأله الشعبي عن حاله في بيته، فقال له : من عشرين عاما لم أر ما يغضبني من أهلي، قال له: وكيف ذلك؟ قال شريح: من أول ليلة دخلت على امرأتي، رأيت فيها حسنا فتانا، وجمالاً نادرا،- قلت في نفسي: فلأطهر وأصلي ركعتين شكرا لله، فلما سَلَّمْتُ وجدت زوجتي تصلي بصلاتي، وتسلم بسلامي، فلما خلا البيت من الأصحاب والأصدقاء؛ قمت إليها، فمددت يدي نحوها، فقالت: على رسلك يا أبا أمية، كما أنت، ثم قالت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله، إني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك، فبين لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأتركه، وقالت: إنه كان في قومك من تتزوجه من نسائكم، وفي قومي من الرجال من هو كفء لي، ولكن إذا قضى الله أمرا كان مفعولا، وقد ملكت؟ فاصنع ما أمرك به الله، إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك.
قال شريح: فأحوجتني- والله يا شعبي- إلى الخطبة في الموضع، فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على النبي وآله وأسلم، وبعد... فإنك قلت كلاما إن ثبت عليه يكن ذلك حظك، وإن تدعيه يكن حجة عليك، أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها.
فقالت: كيف محبتك لزيارة أهلي؟ قلت : ما أحب أن يملني أصهاري، فقالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك فآذن له، ومن تكره فأكره؟ قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء.
قال شريح: فبت معها بأنعم ليلة، وعشت معها حولاً لا أرى إلا ما أحب، فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء، فإذا بفلانة في البيت، قلت: من هي؟ قالوا: ختنك- أي أم زوجة- فالتفتت إلي، وسألتني: كيف رأيت زوجتك؟- قلت: خير زوجة، قالت: يا أبا أمية إن المرأة لا تكون أسوأ حالاً منها في حالين: إذا ولدت غلاما، أو حظيت عند زوجها، فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم شرا من المرأة المدللة، فأدب ما شئت أن تؤدب، وهذب ما شئت أن تهذب، فمكثت معي عشرين عاما لم أعقب عليها في شيء إلا مرة، وكنت لها ظالما.
6- \"إفشاء الأسرار \" من أخطر مسببات الخلافات الزوجية ، والمحافظة على هذه الأسرار أمانة في عنق كلٍ من الزوجين ، ويجب ألا تكون هذه الأسرار ميداناً خصباً للحديث بين الأصحاب ، وخصوصاً الأسرار المتعلقة بالعلاقة الخاصة أو خصوصيات الأسرة أو الخلافات التي تحصل بين الزوجين ، وهذه يجب ألا تُذكر إلا إن كان لذلك حاجة ماسَّة لشخصية يُطلب منها النصح ، وفي أضيق الحدود ، فالغالب هو أن ضرر إبداء هذه الأسرار أكثر من نفعها .
7- الخلافات الزوجية مسائل عَرَضِيَّة وطبيعية وتنتهي بسرعة إذا أحْسَنَّا التعامل معها ؛ إذ أن الأصل هو ( وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) ( الروم : 21 ) فالحب والعلاقة الحميمة بين الزوجين ، والاحترام المتبادل ، هو الأصل ، لذا فمن الأهمية أحياناً تأجيل المناقشة في مسألة الخلاف إلى وقت يرى فيه الزوجان أنهما قد هدأت نفسيهما ، مع البعد عن مؤشرات التسخط ، والتجاوز إلى مسائل أخرى في الحياة اليومية ؛ فإن ذلك وسيلة من وسائل تجاوز المطبات الخلافية إلى سعة الحياة اليومية .
8- ينبغي ألا يبادر إلى حل الخلاف وأحد الزوجين أو كلاهما مغضب , وإنما يتريث حتى تهدأ النفوس ، لأن النتائج في مثل هذه الأحوال كثيراً ما تكون سلبية ، بل ومدعاة إلى سلبيات أخرى ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (علموا ويسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا وإذا غضب أحدكم فليسكت ) ( صحيح الجامع : 4027 ) .
خذي العفو مني تستديمي مـودتي ولا تنطقي في ثورتي حين أغضب
ولا تـنقريـني نقرك الـدف مرة فإنك لا تدرين كيف الـمغيب
ولا تكثري الشكوى فتذهب بالهوى ويأباك قلبـي والـقلوب تقلب
فإني رأيت الـحب في القلب والأذى إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
9-تفهم سبب الخلاف وتحديده بدقة ، فقد يكون سوء فهم فقط ؛ ولذا فالإفصاح عن حقيقة الخلاف ، وعما يضايق الطرف الآخر بشكل واضح ومباشر يساعد على إزالة سوء الفهم وهو في مهده ، وحين الحوار يحسن ذكر نقاط الاتفاق ، والإشارة إلى الإيجابيات والفضائل عند كل طرف ، فإن ذلك مما يرقق القلوب ، ويصرف مداخلات الشيطان ، وخصوصاً أن الله تعالى وجَّهنا بقوله ( وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ) ( البقرة : 237 ) .
10 - إياكم وزلات اللسان ؛ فإن الإهانات اللفظية أو الحركية تخدش العلاقة العاطفية للطرف الآخر ، بل وتقتل الود القائم ، ويبقى لها صدى يتردد باستمرار حتى بعد انتهاء الخلاف ، وعندها يصعب العلاج .
إن القلوب إذا تنافر ودها مثل الزجاجة كسرها لا يُشْعَبُ
روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: \"لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا وَكَانَ يَقُولُ إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاقًا \".
11- ينبغي أيضاً تقدير حالة الزوج أو الزوجة حين الاختلاف ؛ فقد يكون أحد الزوجين متعباً أو مريضاً أو تعرض لموقف عكَّر صفو نفسه ونحو ذلك الأمر الذي يجعل أسلوب تعامله سلبي ومغاير لما يريده الطرف الآخر ، كما ينبغي عند ملاحظة أحد الطرفين للآخر أنه بدأ يفقد أعصابه فعليه تهدئة الأمور وعدم المواجهة ، وأيضاً ينبغي الابتعاد عن المفردات السلبية المتهكمة والتي تصف الآخر بالغباء وعدم الفهم والتي تشير إلى أنه لا فائدة من هذا الطرف أو ذاك ، فهذه العبارات تغلق الطريق للوصول إلى حلول إيجابية ، وتشعر الطرف الآخر بالإحباط وعدم الفائدة .
12 - الصبر على طبائع النساء التي طبعهن الله عليها ، كالغيرة مثلاً ، وليكن لنا في سعة صدر النبي صلى الله عليه وسلم وتقديره لهذا الأمر أسوة حسنة ؛ فعن أنس بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم عند إحدى أمهات المؤمنين فأرسلت أخرى بقصعة فيها طعام فضربت يد الرسول فسقطت القصعة فانكسرت فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى فجعل يجمع فيها الطعام ويقول غارت أمكم كلوا فأكلوا حتى جاءت بقصعتها التي في بيتها فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وترك المكسورة في بيت التي كسرتها ( مشكاة المصابيح \" 2 : 164\" ) فلم يعنف صلى الله عليه وسلم ولم يشتم ، بل ذكر أن الغيرة عذر لها على ما فعلت ، وهكذا في العجلة والخشية وبقية الظروف والأحوال وبقية طبائع النفوس مما لا يمكن التغلب عليه .
13 - الاعتراف بالخطأ عند وضوحه ، والبعد عن الجدال ، مع التحلي بالشجاعة والثقة بالنفس ، فالشخصية المتميزة القوية هي التي تعترف بخطئها وتعتذر عنه ، بل وتتحمل تبعاته ، وعلى الطرف الآخر تقدير هذا الاعتراف ، وشكر صاحبه ، وعدم استخدامه للذم والتنقص .
14 - دخول الطرف الثالث ، أو الشكوى لشخصية خارجية مسألة ليست دائماً وسيلة إيجابية لحل المشاكل ، ويجب ألا تكون إلا إذا استحالت فرص الإصلاح بين الزوجين ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ) ( النساء : 35 ) فالآية تشير إلى أمرين في غاية الأهمية ، الأول : أن دخول الأطراف الخارجية يجب أن يكون عند الخشية من وجود الشقاق ومعناه تأزم العلاقة بين الزوجين وليس كل مشكلة عارضة ، والثاني : أهمية اتفاق الطرفين على دخول الأطراف الخارجية \" إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا \" فإن بعض الأزواج أو الزوجات لا يرضى بأن يَطَّلع أحد مهما كان على أسراره الأسرية ، وحينها يكون دخول الطرف الثالث سلبي وليس إيجابي . . وحين اتفاق الطرفين على إدخال شخصية ثالثة ينبغي الاتفاق أيضاً على حدود ما يمكن أن يَطَّلع عليه من أحوال الأسرة وأسرارها .
15 - وأخيراً : لنحتسب الأجر عند الله تعالى ، فما حصل من خلاف وأذى وصبرٌ عليه داخل في بُشرى نبينا الكريم : ( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) ( رواه البخاري ) ، ثم علينا بمحاسبة أنفسنا قبل أن يُلقِي أحد الزوجين اللوم على الآخر بسبب الاختلاف ، فقد يكون بسبب ذنب وقع فيه ، ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) ( الشورى : 30 ) ، وقد نُقِل عن الفضيل بن عياض رحمه الله قوله : ( ما عملت ذنبا إلا وجدته في خُلُقِ زوجَتِي ودابتي ) .
وصلّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين