القصة التي اشتهرت على ألسنة الوعاظ والقصاص، ومما ساعد على نشرها أن كثيرًا من الناس يطبعها ويوزعها وهو لا يدري أنها مكذوبة ومفتراة ، وإلى القارئ الكريم التخريج والتحقيق حتى يقف على حقيقة هذه القصة
أولاً المتن
رُوِيَ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال «من تهاون بصلاته عاقبه الله تعالى بخمس عشرة عقوبة ستة منها في الدنيا، وثلاثة منها عند الموت، وثلاثة منها في قبره، وثلاثة منها تصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره
فأما الستة التي تصيبه في الدنيا
فالأولى ينزع الله البركة من عمره
والثانية يمسح الله سيما الصالحين من وجهه
والثالثة كل عمل يعمله من أعمال البر لا يؤجر عليه
والرابعة لا يرفع الله عز وجل له دعاء إلى السماء
والخامسة تمقته الخلائق في دار الدنيا
والسادسة ليس له حظ في دعاء الصالحين
وأما الثلاثة التي تصيبه عند الموت
فالأولى أن يموت ذليلاً
والثانية أن يموت جائعًا
والثالثة أن يموت عطشانَ ولو سقي مياه بحار الدنيا ما رُوي عطشه
وأما الثلاثة التي تصيبه في قبره
فالأولى يضيق الله عليه قبره، ويعصره حتى تختلف أضلاعه
والثانية يوقد عليه في قبره نارٌ ويتقلب في جمرها ليلاً ونهارًا
والثالثة يسلط الله عليه ثعبانًا يسمى الشجاع الأقرع عيناه من نار، وأظفاره من حديد طول كل ظفر مسيرة يوم، فيقول له أنا الشجاع الأقرع، وصوته مثل الرعد القاصف، ويقول له أمرني الله أن أضربك على تضييع صلاة الصبح من الصبح إلى الظهر
وأضربك على تضييع صلاة الظهر من الظهر إلى العصر
وأضربك على تضييع صلاة العصر من العصر إلى المغرب
وأضربك على تضييع صلاة المغرب من المغرب إلى العشاء
وأضربك على تضييع صلاة العشاء من العشاء إلى الصبح
وكلما ضربه ضربة يغوص في الأرض ستين ذراعًا فيدخل أظافره تحت الأرض ويخرجه فلا يبرح تحت الضرب إلى يوم القيامة
وأما الثلاثة التي تصيبه يوم القيامة
فالأولى يوكل الله به ملكًا يسحبه على جمر بوجهه في عرصات القيامة
والثانية يحاسبه حسابًا طويلاً
والثالثة لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم
ثم تلا النبي فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا «مريم »
ثانيًا التخريج
أخرج قصة عقوبة تارك الصلاة ابن النجار في «تاريخه»، كذا في «تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة» لأبي الحسين علي بن محمد بن عراق الكناني، وأوردها أبو الليث السمرقندي في كتابه «قرة العيون» الباب الأول في «عقوبة تارك الصلاة»، ح
ثالثًا التحقيق
قال ابن عراق في «تنزيه الشريعة» أخرجها ابن النجار في «تاريخه» من حديث أبي هريرة قال في الميزان حديث باطل ركبه محمد بن علي بن العباس على أبي بكر بن زياد النيسابوري، وقال في «اللسان» هو ظاهر البطلان من حديث الطرقية» اهـ
قُلْتُ وبالرجوع إلى هذه الأصول التي نقل منها ابن عراق الحكم على حديث القصة بالبطلان
نجد أن الإمام الذهبي في «الميزان» قال «محمد بن علي بن العباس البغدادي العطار ركب على أبي بكر بن زياد النيسابوري حديثًا باطلاً في تارك الصلاة، روى عنه محمد بن علي الموازيني شيخ لأُبِيّ النّرْسِي» اهـ
وأقر الحافظ ابن حجر في «اللسان» قول الإمام الذهبي في «الميزان»، ثم قال «زعم المذكور يعني محمد بن علي بن العباس البغدادي العطار أن ابن زياد أخذه عن الربيع، عن الشافعي، عن مالك، عن سُمَى، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه «من تهاون بصلاته عاقبه الله بخمس عشرة خصلة » الحديث، وهو ظاهر البطلان من أحاديث الطرقية» اهـ
قُلْتُ بهذا يتبين أن قصة الخمس عشرة عقوبة التي تصيب تارك الصلاة واهية، وهي ظاهرة البطلان
رابعًا «بدائل صحيحة»
هناك بدائل صحيحة تبين عاقبة تارك الصلاة، فقد أخرج الإمام مسلم في «صحيحه» ح قال «حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، وعثمان بن أبي شيبة كلاهما عن جرير، قال يحيى أخبرنا جرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان، قال سمعت جابرًا يقول سمعت النبي يقول «إنَّ بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»
ومن البدائل الصحيحة التي تبين عاقبة تارك الصلاة ما أخرجه أحمد في «المسند»، والترمذي في «السنن»، والنسائي في «السنن» من حديث بُريدة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر»
قال الحاكم «صحيح ولا نعرف له علة» ووافقه الذهبي
قال الإمام ابن حزم في «المحلى» «وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدًا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد» اهـ
قُلْتُ ولقد قدم الإمام ابن حزم لذلك فقال «ما نعلم لمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم مخالفًا منهم» اهـ
وفي «الإفصاح عن معاني الصحاح في مذاهب الأئمة الأربعة» لابن هبيرة الحنبلي «كتاب الصلاة» المسألة السادسة باب صفة الصلاة
«وأجمعوا على أن كل من وجبّ عليه الصلاة من المخاطبين بها، ثم امتنع من الصلاة جاحدًا لوجوبها، فإنه كافر، ويجب قتله ردة»
المسألة السابعة «ثم اختلفوا فيمن تركها ولم يصل وهو معتقد لوجوبها فقال مالك والشافعي وأحمد يُقتل إجماعًا منهم، وقال أبو حنيفة يُحبس أبدًا حتى يصلي
نقل ابن قدامة أنه لا خلاف بين أهل العلم في كفر من تركها جاحدًا لوجوبها، إذا كان ممن لا يجهل مثله ذلك، فإن كان ممن لا يعرف الوجوب كحديث الإسلام، والناشئ بغير دار الإسلام أو بادية بعيدة عن الأمصار وأهل العلم لم يحكم بكفره، وعرف ذلك، وتثبت له أدلة وجوبها فإن جحدها بعد ذلك كفر» اهـ كذا في «المغني» ، و«المهذب» ، والقوانين الفقهية ، و«نيل الأوطار»
ثم قال ابن هبيرة «واختلفوا أيضًا هل يكفر بتركها مع اعتقاد وجوبها ؟ فمنهم من قال يكفر بمجرد تركها لظاهر الحديث «إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»، ومنهم من قال لا يحكم بكفره ويتأول الحديث على الاعتقاد يعني الكفر بالاعتقاد واعتقاده صحيح، فلم يحكم بكفره، والحديث متأول على هذا كذا في «المهذب» وقال أحمد من ترك الصلاة كسلاً وتهاونًا وهو غير جاحد لوجوبها فإنه يُقتل» اهـ
قُلْتُ وهذا على إطلاقه، أما عند التعيين فوجوب توفر الشروط وانتفاء الموانع كما هو منهج أهل السنة والجماعة
ألم يأن لتارك الصلاة أن يتوب ويرجع ولا يعرض نفسه للكفر المجمع عليه إذا كان جاحدًا لوجوبها، ولا يعرض نفسه للكفر إذا كان معتقدًا وجوبها أخذًا بظاهر الحديث ؛ ولا يعرض نفسه للحكم بقتله إجماعًا من الأئمة مالك والشافعي وأحمد مع اعتقاده لوجوبها كما بينا آنفًا
والله نسأل أن يجعلنا ممن قال فيهم قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ «المؤمنون ، » ويجعلنا بفضله ممن قال فيهم وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ «المؤمنون »
هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد