بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ
الَلَّهٌمَّ صَلَِ عَلَىَ مٌحَمَّدْ وَآلِ مُحّمَّدْ
الْسَّلامٌ عَلَيٌكٌمْ وَرَحْمَةٌ الله وَبَرَكَاتٌهٌ
يردد المثقفون الغربيون والمستغربون إن الإسلام دين وليس اقتصادا ، أنه عقيدة وليس منهجاً للحياة ، وانه علاقة بين الإنسان وربه ولا يصلح أن يكون أساسا لثورة اجتماعية ...
وقد فات هؤلاء إن الإسلام ثورة لا تنفصل فيها الحياة عن العقيدة ولا ينفصل فيها الوجه الاجتماعي عن المحتوى الروحي ، ومن هنا كان ثورة فريدة على مر التاريخ . فالتوحيد هو جوهر العقيدة الإسلامية ، وبالتوحيد يحرر الإسلام الإنسان من عبودية غير الله تعالى (( لا إله إلا الله )) ويرفض كل إشكال الإلوهية المزيفة على مر التاريخ ، وهذا هو تحرير الإنسان من داخل ثم يقرر ـ كنتيجة طبيعية لذلك ـ ... تحرير الإنسان من الخارج ، وبذلك حطم الإسلام كل القيود المصطنعة والحواجز التاريخية التي كانت تعوق تقدم الإنسان ... سواء تمثلت هذه القيود والحواجز على مستوى آلهة ومخاوف وأساطير وتحجيم للإنسانية بين يدي قوى أسطورية ، أو تمثلت على مستوى ملكيات تكرس السيادة على الأرض لطاغوت ـ فرد كان أو فئة أو طبقة ـ على حساب الناس ، وتحول دون نموهم الطبيعي ، وتفرض عليهم بالتالي علاقات التبعية والاستعباد .
ومن هنا كان الإسلام ـ الذي كافح من أجله الأنبياء ـ ثورة اجتماعية على الظلم والطغيان وعلى ألوان الاستغلال و الاستعباد .
غير إن ثورة الأنبياء تميزت عن أي ثورة اجتماعية أخرى في التأريخ تميزاً نوعياً؛لأنها حررت الإنسان من الدخل وحررت الكون من الخارج في وقت واحد ،وأطلقت على التحرير الأول ـ أي تحرير الإنسان من الداخل ـ الجهاد الكبر وعلى التحرير الثاني ـ أي تحرير الإنسان من الخارج ـ الجهاد الأصغر لان هذا الجهاد لن يحقق هدفه العظيم إلا في إطار الجهاد الأكبر .
ونجم عن ذلك :
أولاً : أنها لم تضع مستغلاً جديداً في موضع مستغل سابق ولا شكلاً من الطغيان بديلاً عن شكلٍ آخر ؛ لأنها في الوقت الذي حررت فيه الإنسان من الاستغلال حررته من منابع الاستغلال في نفسه وغيرت من نظرته إلى الكون والحياة .
ولهذا لن تكون عملية الاستبدال الثوري على يد الأنبياء كما أستبدل الإقطاعي بالرأسمالي أو الرأسمالي بالبروليتاريا ، أي مجرد تغيير لمواقع الاستغلال ، وإنما هي تصفية نهائية للاستغلال ولكل أنواع الظلم البشري .
وقد حدد القرآن الكريم صفة هؤلاء المستضعفين الذين ترشحهم ثورة الأنبياء لتسلم مقاليد الخلافة في الأرض إذ قال تعالى : {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ }الحج41
لنلتفت إلى هذه المعاني التي تبينها الآية الشريفة لنا ، نعم ولنعكس الصورة الحقيقية الواضحة الجلية للإسلام ولمن يمثل الإسلام ، لنعكسها إلى كل من انخدع وغرر وشُبّه له إن من يحكم الدول الإسلامية أو من نصبوا أنفسهم رموزاً للإسلام هم من يمثل الإسلام وهم من يمثل الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهؤلاء بابتعادهم عن مبادئ الإسلام الحقيقية هم من شوه الصورة الحقيقية للإسلام ولرسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) أمام الغرب والشرق ، لكن إن الحقيقة إن من يمثل الإسلام حقيقة وواقعاً هو الذي تتوفر فيه هذه الصفات التي ذكرتها الآية الشريفة ، الذين يقيمون الصلاة والذين يؤتون الحقوق إلى من يستحقها والذين لا يظلمون الناس ولا يستغلون المجتمع وان المجتمع الذي يحكمونه يسوده العدل والأمان والعفو والمسامحة لان هذا هو منهج رسول الإنسانية محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم )
ثانياً : إن صراع الأنبياء مع الظلم والاستغلال لم يتخذ طابعا طبقياً كما وقع لكثير من الثورات الاجتماعية ؛ لأنه ( أي الإسلام ) كان ثورة إنسانية ولتحرير الإنسان من داخل قبل كل شيء ، وقد أستطاع الإسلام ـ بعملية التحرير من الداخل وبتحقيق متطلبات الجهاد الأكبر ( الذي هو تربية النفس على الأخلاق الطيبة والصالحة) ـ إن ينبِّه في النفوس الخيرة كل كوامن الخير والعطاء ، ويفجر فيها طاقات الإبداع على اختلاف انتماءاتها الطبقية في المجتمعات الجاهلية وكان مستغِل الأمس يندمج مع المستغَل ـ بالفتح ـ في إطار ثوري واحد بعد أن يحقق الجهاد الأكبر فيه قيمه العظيمة.
فندائي إلى الإنسانية بصورة عامة والى المسلمين بصورة خاصة لنردد صدقا وعدلا وقولا وفعلا في الليل والنهار لبيك يا رسول الله .....في الإخفاء والإعلان لبيك يا رسول الله .... في الإسرار والإظهار لبيك يا رسول الله .... في السراء والضراء لبيك يا رسول الله
**************
نسألكم الدعاء
***********