{ لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون } [14]
(لا يقاتلونكم جميعا) وجها لوجه اليهود منذ عهد النبي عليه الصلاة والسلام اهل جبن وخور وهلع لا يستطيعون المواجهة ولا يستطيعون الحرب وجه لوجه في الميدان وانما كما وصفهم الله (لا يقاتلونكم جميعا)اذا كيف يقاتلون
(إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر)تحصن بنو النظير في حصونهم وحين تقرا هذه الاية وترجع الى الوراء في ما بين 67 م و73م فطرة النكسة وكيف اخذ اليهود اراضينا واخذوا سيناء ماذا صنعوا لما احتلوا الارض بنوا خط برليف خط مسلح مدرع حصنوه وتحصنوا به وقالوا خلاص هذه ارضنا من النيل الى الفرات (وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله) وكان النصر من الله عز وجل في حرب رمضان 6 اكتوبر 73 ولم تغنى عنهم حصونهم من الله شيئا
الان في فلسطين يبنون الجدار يريدون ان يعزلوا انفسهم ويحموها ويحصنوا انفسهم لانهم لا يقدروا على المواجهة فيبقوا وراء الخط المحصن هذه طبيعتهم الجبن والهلع (لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون)
(لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر) لما ينظر الناس الان الى اليهود وقد اجتمعوا في فلسطين وجاءوا من كل فج عميق واجتمعوا يظنوا انهم على قلب رجل واحد فصورة هذا الاجتماع توحي انهم مجتمعين لكن الحقيقة انه اجتماع صوري فهم وان اجتمعوا في الصورة الا انهم في الداخل منقسمين متفرقين متباغضين متعادين (بأسهم بينهم شديد) بينما { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } [الفتح/29] (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسم بسبب الحمى)
قد ترى المسلمين متفرقين لكن عند المصائب والنكبات يجتمعون اجتماعا حقيقيا على قلب رجل واحد وعسى ان يجمع الله الشمل ويوحد الصف ويكون النصر قريبا باذن الله عز وجل
فاليهود لما نراهم اجتمعوا تقول ما شاء الله غلبونا لانهم مجتمعين انتصروا علينا باتحادهم وهم في الحقيقة ليسوا مجتمعين هذا اجتماع صوري والباطن ليس كالظاهر (بأسهم بينهم شديد) { وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } [المائدة/64
ليس هناك فيهم واحد يحب واحد ابدا ( بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون)
{ كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم } [15]
(كمثل الذين من قبلهم قريبا)مثل بنو النظير في اخراجهم من المدينة كمثل بنو قينقاع اول طائفة اجلاها النبي عليه الصلاة والسلام من طوائف اليهود الثلاث بنو قينقاع وبنو النظير وبنو قريضة فاول طائفة اخرجت من المدينة بنو قينقاع بعد ان نقضوا عهدهم ايضا فربنا يقول بني النظير كان الواجب انكم تعتبروا وتتعضوا بما اصاب اخوانكم من قبلكم فان العاقل من اتعض بغيره والاحمق من وعض به غيره
(ذاقوا وبال أمرهم)في الدنيا بالاخراج من المدينة ولهم في الاخرة عذاب اليم (ولهم عذاب أليم)
{ كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين } [16]
ثم ضرب المثل للمنافقين وموقفهم من اليهود فقال(كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين) مثل المنافقين في وعدهم اليهود بالنصر(كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر)وانا معك احميك وادافع عنك وانصرك واوازرك فلما كفر قال (إني بريء منك)
كذلك فعل المنافقون بيهود بني النظير وعدوهم النصر( لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم)فلما اخرجوا لم يخرجوا معهم
(إني أخاف الله رب العالمين)هل الشيطان لعنه الله صادق في قوله طبعا غير صادق كذاب لو كان يخاف الله لامن بالله ولاسلم فقوله (إني أخاف الله رب العالمين)قد كذب فيه
{ فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين } [17]
(فكان عاقبتهما)الغرور والمغرور
لوقد ذكر بعض المفسرين في تفسير هذه الاية قصة العابد الذي خدعه الشيطان ووعده ودعاه للسجود له في النهاية لكي ينجيه ولما سجد له قال اني بريء منك وهذه قصة لا تصح سندا لكن هذا دأب الشيطان وربنا قد حذرنا منه في اكثر من اية { يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور } [فاطر/5] من الغرور هو الشيطان { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير } [فاطر/6] ويوم القيامة يوم يجمعه الله تعالى واتباعه في عذاب السعير يقوم فيخطب فيهم الخطبة التي سجلها الله تعالى في كتابه قبل ان يخطبها ابليس لعنه الله { وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق }[إبراهيم/22]
هكذا سيقوم ابليس خطيبا في اهل النار يوم القيامة بعد ان يكبوا فيها
(وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم } [إبراهيم/22
{ ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا } [الفرقان/27]
{ يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا } [الفرقان/28]
(لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا } [الفرقان/29] يعدك وبعدها لن تجد شيئا مما وعدك
(يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا } [النساء 120]
(أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا }[النساء 121]
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } [18]
ثم امر الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين يتقوه التي من مضمونها طاعة الرحمان ومعصية الشيطان(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله )بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه وما زجر
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد )الامر بالتقوى ياتي دائما بين يدي الاوامر والنواهي حثا على الائتمار والانتهاء تقول لاحد اتقي الله واعمل كذا اتقي الله واترك كذا اذا الامر بالتقوى اولا بين يدي الاوامر والنواهي لكي تحث المامور على الائتمار والمنهي على الانتهاء كما قال تعالى { يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما } [الاحزاب 1]
كذلك يقول تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد )فجعل الله تبارك وتعالى يوم القيامة غدَ ذلك اليوم هما يومان اليوم وغد فجعل الله تعالى الدنيا والاخرة يومان والدنيا اليوم والاخرة غدا
كان عمر بن العاص رضي الله عنه يقول(اعمل لدنياك كانك تعيش ابدا واعمل لاخرتك كانك تموت غدا)يعني ان لم تقم القيامة غدا احتمال انك انت تموت اذ يا تموت او تقوم القيامة فماذا قدمت لغد ماذا عملت حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا وزنوا اعمالكم قبل ان توزن عليكم وتجهزوا للعرض الاكبر يوم اذ تعرضون لا تخفى منكم خافية
(واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون)جاء الامر بمحاسبة النفس بين امرين بالتقوى (اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد)و(اتقوا الله)
فامر المحاسبة امر مهم جدا لازم ان لم يكن كل يوم فليكن كل اسبوع ولا تزود عن هذا لان كثرة الحساب يخفف الحساب لكن ترك الحساب يزيد في الحساب فانت لما تحاسب نفسك كل يوم فالذي قصرت فيه اليوم لن تقصر فيه غدا وتكون العملية سهلة ولكن لو اهملت وحاسبت نفسك كل اسبوع التقصير الذي حصل في ذلك الاسبوع كيف ستتداركه فكيف لو اهملت محاسبة نفسك ولم تحاسبها الا كل شهر فكيف لو لم تحاسبها الا كل سنة فكيف لو اطلقت لها الحبل على الغارق هكذا بدون حساب تسلمك الى المهالك معاذ الله فلا بد كل يوم صباحا كما يقول العلماء من المشارطة ثم لابد بعد المشارطة من المراقبة وبعد المراقبة من المحاسبة وبعد المحاسبة من المعاقبة
فلا بد مثلا بعد صلاة الفجر ان تكتب في ورقة ما المطلوب عمله اليوم
*الى بعد طلوع الفجر اذكار وقراءة قران الى الظهر مطلوب مني كذا من الظهر الى العصر كذا الى العشاء كذا ومن العشاء الى الفجر مطلوب كذا هذه اسمها المشارطة ماذا تريد من نفسك اليوم لان نفسك هذه مثل الشريك الخائن فان لم تكن عينك دائما عليه وتحاسبه يوما بيوم يضيع راس المال فكذلك نفسك امارة بالسوء
*بعد المشارطة لازم طول اليوم تراقب نفسك بتوفي ما اشترطته عليها او تتركه
*واخر النهار المحاسبة وترى ماذا كتبت وماذا فعلت وماذا تم وماذا لم يتم الصلاوات الخمسة في جماعة او ثلاثة فقط وعزمت على ادراك تكبيرة الاحرام تم او لم يتم عزمنا على قراءة ورد من القران تم او لا عزمنا على دراسة مادتين او ثلاثة تم او لا عزمنا على صدقة تم او لا عزمنا على زيارة مريض عزمنا على صلة رحم
اذا رايت منها تقصيرا لا بد ان تعاقبها بماذا لا بالضرب ولا بالسب ولا بالشتم ولكن تعاقبها بتكثير الوظائف تقول لها انا كنت ناوي الليلة اصلي قيام الليل بنص جزء وانت قصرت بوظيفة النهاراذا سيصبح ورد الليل جزء بدل النصف جزء او تعاقبها مثلا بصيام اليوم الثاني وهكذا حتى لا تتعود التقصير والكسل والملل ومن حاسب نفسه خفت محاسبته يوم القيامة ومن اهمل محاسبة نفسه في الدنيا شدد عليه الحساب يوم القيامة
(واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) كل الذي تعمله الله متطلع عليه وسيجزيك به خبره وشره { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } [الزلزلة/6] { ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره }[الزلزلة 7]
{ ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون } [19]
ثم ينهى الله تبارك وتعالى المؤمنين عن التشبه بالمنافقين وغيرهم من الكافرين الذين نسوا الله فانساهم انفسهم نسوا ذكر الله وتركوا القيام بحق الله فانساهم ان يعملوا لانفسهم ما ينجيهم من النار
(أولئك هم الفاسقون)الخارجون عن طاعة الله عز وجل الى معصيته
{ لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون } [20]
وشتان بين مؤمن يتقي الله عز وجل ويحاسب نفسه وبين منافق لا يتقي الله ولا يحاسب نفسه فالاول من اصحاب الجنة والثاني من اصحاب النار
فكيف يستوي اصحاب النار واصحاب الجنة اذاكان الله تعالى يقول { وما يستوي الأعمى والبصير } [فاطر/19] { ولا الظلمات ولا النور } [فاطر/20] { ولا الظل ولا الحرور } [فاطر/21] فهل الواقف في الشمس مثل الواقف تحت مظلة ليس ممكن فكيف اذا الذي في النار والذي في الجنة
{ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون } [21]
{ الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد }[الزمر/23]
لكن اهل هذه الاية قلة واكثر الناس غير متصفين بها والله يعاتبهم على عدم التاثر بالقران وعدم الخشوع عند تلاوته فيقول ضاربا المثل (لو أنزلنا هذا القرآن)الذي انزلناه عليكم (على جبل)كيف ترون صلابة الجبل وشدة الجبل وقسوة الجبل ( لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله)فما بال القلوب لا تنفطر ولا تخشع ولا تتصدع من خشية الله ( وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون)
{ هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم } [22]
(هو الله الذي لا إله إلا هو)اي لا معبود بحق الا هو سبحانه وتعالى ذلك بان الله هو الحق وان ما يدعون بدونه هو الباطل لا يوجد كائن كان من كان يستحق ان يعبد سوى الله عز وجل لا اله الا هو الذي احاط بكل شيء علما فهو( عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم )والغيب ما استتر والشهادة ما ظهرفما استتر وما ظهر بالنسبة لعلم الله سواء عالم الغيب التي وسعت رحمته كل شيء
{ هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون } [23]
(هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس)المطهر من المعائب
( السلام)السالم من كل افة ونقص
( المؤمن)الذي يصدق انبياءه و يصدق عباده المؤمنين
( المهيمن)عل كل شيء الرقيب على كل شيء
( العزيز)الذي يغلب ولا يُغلب ويقهر ولا يقهر
( الجبار)الذي اجبر خلقه على كل ما اراده منهم
( المتكبر)على عباده الذي له العزة والكبرياء المطلق (العزة ازاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما عذبته )
(سبحان الله عما يشركون)
{ هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } [24]
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان الى الرحمان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ومن قال في اليوم ) (مائة مرة سبحان الله وبحمده) غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر
هذا والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين