{ وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير } [6]
لما خرجوا بنو النظير خرجوا وتركوا اموالهم واسلحتهم فلم يحملوا من اموالهم الا ما حملت البعير وهذه الاموال التي تركوها وراءهم سماها الله (فيئة)والاموال التي تاخذ من الكفار نوعان فيء وغنيمة فالغنيمة هي التي تاخذ من الكفار بعد القتال والفيء ما ياخذ من اموال الكفار بلا قتال فاموال الغنائم الله تبارك وتعالى بين حكمها في سورة الانفال { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } [الأنفال/41] اما الفيء هنا فالله تعالى قال
{ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب } [7]
فهنا جعل الفيء كله لمن له الخمس في الغنيمة للرسول صلى الله عليه وسلم والمذكورين معه فقد جعل الله تعالى الفيئة هنا في هذه الاصناف (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم )كي لا يكون يعني المال دولة بين الاغنياء منكم انما جعل الله تعالى مصارف الفيء في من سمّى حتى لا يظل المال يتداول من فلان الى فلان ويظل بقية الشعب او الامة محرومة
(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) الرسول عليه الصلاة والسلام اعطى الفيئة الذي افاءه الله عليه من بنو النظير الى المهاجرين وترك الانصار فلم يعطي الانصار من هذه الفيئة شيئا الا رجلين او ثلاث شكوا حاجة فاعطاهم فنزلت الاية(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )ما اتاكم من المال فخذوه وان لم يعطك إرضى لكن العلماء يقولون الاية وان كانت نازلة عن عطاء المال من الفيء الا ان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
فالاية عامة تشمل كل ما ياتينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا يجب على كل مسلم ومسلمة ان يوطنا انفسهما على السمع والطاعة لله ولرسوله في كل ما يامران به كما قال تعالى{ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا } [الأحزاب/36]
وقال تعالى (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون } [النور/51] { ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون } (النور/52)
استدل ابن مسعود رضي الله عنه بهذه الاية على لعن النامصة والمتنمصة فكان ابن مسعود يقول(لعن الله النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة )والنامصة التي تزيل للمراة شعر وجهها نامصة فاعلة للنمص والمتنمصة المراة التي زالوا لها شعر وجهها الاثنين ملعونين والواصلة والمستوصلة التي شعرها قصير توصله بشعر غيرها بالباروكة ونحوها الاثنين ملعونين
والوشم كذلك فبلغ ذلك امراة من بني اسد فأتت ابن مسعود قالت ما الشيء الذي بلغني عنك قال وماهو قالت بلغني انك تلعن النامصة والمتنمصة وعدّت ما سمّى فقال ابن مسعود ومالي لا العن من لعنه رسول الله وهو في كتاب الله قالت اين في كتاب الله لقد قرات المصحف ما بين دفتي لم اجد هذا اللعن قال لو قراتيه لوجدتيه اما قرات قول الله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)قالت بلى قال فذلك والرسول عليه الصلاة والسلام قد لعن النامصة والمتنمصة
وتستطيع ان تستدل على الجماعة الحليقين لما يقول لك (يا عم الشيخ اتنا اية تقول ربّوا ذقونكم )تقول نعم القران امر بتربية الذقن فيقول اية اية تقول (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)والرسول امر باعفاء اللحي اذا القران امر بذلك وهكذ تستطيع ان تستدل بالاية على كل ما جاء في السنة انه في القران
(واتقوا الله إن الله شديد العقاب) اتقوا الله اي احذروا ان تخالفوا امر رسول الله صلى الله عليه وسلم وان الله شديد العقاب لمن خالف امره وعصى رسوله صلى الله عليه وسلم
{ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون } [8]
(للفقراء المهاجرين)المال مال الفيء خص به الفقراء المهاجرين الذين( أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون)
فالافعال هي التي تبرهن على صدق الاقوال للفقراء المهاجرين (الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون)الصادقون في قولهم امنا بالله عز وجل ولذلك لما ( قالت الأعراب آمنا) امر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم } [الحجرات/14]
ثم ذكر لهم حقيقة الايمان فقال{ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون } [الحجرات/15] الصادقون في قولهم آمنا فالافعال هي التي تصدق الاقوال ولذلك قال الحسن البصري رحمه الله (ليس الايمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر بالقلب وصدقه العمل)
فالله يقول( للفقراء) هذا المال مال الفيء جعله الله تعالى للفقراء المهاجرين الذين( أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون)فهذا مدح وثناء من الله عز وجل على الصنف الاول من المؤمنين وهم اهل مكة المهاجرون ثم اثنى على الصنف الثاني وهم الانصار اهل المدينة فقال تعالى
{ والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } [9]
(والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم)من قبلهم اي من قبل المهاجرين ولقد ضرب الانصار اهل المدينة المثل الاعلى في حسن استقبال الضيوف المهاجرين من مكة لولا ان هذا الذي وقع كان واقعا حقيقيا على وجه الارض لعد ضربا من الخيال تصور لما تقرا في السيرة عن الانصار المهاجرين طبعا كانوا قلة واهل المدينة الانصار كانوا كثيرين فلكي يعطي الرسول صلى الله عليه وسلم واحد من اهل المدينة واحد من المهاجرين عمل قرعة فياخذ الانصاري اخوه المهاجري الى بيته ويعطيه بيت من البيتين الذين يملكهما ويعطيه كل الاموال التي يملكها لكي يقسموها ويقول له عندي زوجتان التي تعجبك اطلقها فتتزوجها فهذا الكلام لو انك موقن ان هذا حصل بالفعل لكنت قلت هذا كذب فهذا الجود وهذا الكرم وهذا السخاء غير معقولين (يحبون من هاجر اليهم)
ومع ذلك لما أفاء الله على رسوله من اهل بني النظير يعطي الاموال الى المهاجرين ويترك الانصار
وكان موقف الانصار(ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا) لم يغضبوا ولا حسدوا بل الله مَنَّ عليهم بسلامة الصدر من الاعتراء فلم يقولوا حتى لماذا اعطاهم الرسول ولم يعطنا ولم يخطر حتى على بالهم
(ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)اهل المدينة الانصار رضي الله عنهم يؤثرون على انفسهم ولو كان من فقر او مجاعة
يقول ابن كثير هذه الاية اشد مدحا لهؤلاء من قوله تعالى { ويطعمون الطعام على حبه } [الإنسان/8]فانت اذا اتاك ضيف طبخت له احسن طبخة ولكنك ستاكل منه انت واولادك لكن الايثار انه ليس هناك الا لقمة واحدة تاكلها انت او الضيف وعندما ياكلها الضيف فهذا هو الايثار كما فعل ذلك الانصاري بضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاءه رجل ذات ليلة فارسل الى بيوت نساءه 9 بيوت فلم يجد الا الماء قال من يضيف ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال احد انا يا رسول الله ولم يعرف حتى ما عنده في بيته فاخذ الضيف واقبل على زوجته هذا ضيف رسول الله ماذا لديك قالت ليس لي غير خبزتين سيتعشى بهما الاولاد قال لها لاعبي الاولاد لغاية ما يناموا وهات الاكل ثم اذا اكلنا معه فلن يكفيه واذا لم ناكل معه فلن ياكل وحده حياء فانت اذا وضعت الاكل وقلنا بسم الله اوقعي زجاجة النور وانشغلى باصلاحها حتي يتسنى له الاكل في الظلام فلن يعرف من اكل معه وهكذا كان
ونام الضيف وفي الصباح اخذه الانصاري الى رسول الله فقال عليه عليه الصلاة والسلام (لقد ضحك الله او لقد عجب الله من صنعكما بضيفكما الليلة )ما هذا الكرم وما هذا الايثار واحد ينام هو وزوجته واولاده بدون عشاء لكي يكرم الضيف
(ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)والشح مرض خبيث قال عليه الصلاة والسلام (شر ما في الرجل شح الهالع وجبن الخالع )
فالشح شر ما في الرجل وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال(اتقوا الظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فانه اهلك من كان قبلكم حملهم على ان سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) ولذلك قال عليه الصلاة والسلام (لا يجتمع الشح والايمان بقلب عبد ابدا )فالمؤمن لا يمكن ان يكون شحيح والشح معناه بخل مع حرص(ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)
ومن لطائف السلف انه روي ان رجلا كان يطوف بالبيت وامامه رجل يطوف لا يزيد في الدعاء و يطوف على قوله (اللهم قني شح نفسي )ولما اكملوا السبع اشواط قال له يا هذا ما سمعتك تزيد في دعائك على قولك اللهم قني شح نفسي قال له وهل تريد بعد ذلك شيئا سمعت الله يقول (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) فلو ربنا واقاني شح نفسي اكون من المفلحين فزت ورب الكعبة
وهكذا افنى الله تعالى على المهاجرين والانصار ثم عطف بالثناء على التابعين لهم باحسان فقال عز وجل
{ والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم }[10]
(والذين جاؤوا من بعدهم) من التابعين وتابعي التابعين
(يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا) سلامة الصدر من الغل وسلامة الصدر من الحقد سلامة الصدر من الضغائن سلامة الصدر من الحسد امر مهم جدا في غاية الاهمية ولذلك ينزع الله من قلوب اهل الجنة الغل قبل ان يسكنوها { ونزعنا ما في صدورهم من غل} [الأعراف/43]
{ وسقاهم ربهم شرابا طهورا } [الإنسان/21]طهر به قلوبهم من الغل (ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم)
وهذه الايات الثلاث في الثنايا على المهاجرين والانصار وتابعيهم قد جمع الله هذا الثناء على الفرق الثلاث من المهاجرين والانصار وتابعيهم في اية واحد في سورة التوبة { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم } [التوبة/100] فالنجاة كل النجاة في اتباع المهاجرين والانصار والسلامة كل السلامة في اقتفاء اثرهم والتمسك بما كانوا عليه فما لم يكن لهم يومئذ دينا لا يمكن ان يكون للخلف دينا ولن يصلح اخر هذه الامة الا ما صلح بها اولها كما قال امام دار الهجرة مالك بن انس رضي الله عنه فلا بد علينا من الحرص على اتباع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتمسك بما كانوا عليه ففي ذلك النجاة والفلاح والفوز والسعادة
افترقت اليهود على 71 فرقة وافترقت النصارى على 72 فرقة وستفترق هذه الامة على 73 فرقة كلها في النار الا واحدة قيل من هي يا رسول الله قال( الجماعة) وفي رواية اخرى قال (ما انا عليه اليوم واصحابي)