سورة المجادلة لفضيلة الشيخ عبد العظيم بدوي
إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله اللهم صلي وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى أله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ثم إننا على موعد الليلة مع سورة المجادلة وهي سورة مدنية شأنها شأن السور المدنية في الاهتمام بجانب التشريع وجانب التربية وعلى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب استفتحت السورة الكريمة ببيان حل مشكلة من المشكلات الأسرية التي تتعرض لها الأسر المسلمة وهي مشكلة ظهار الرجل من المرأة فذكرت حلها وما يترتب على الظهار من أحكام واستفتحت بذكر صفتين من صفات الله عز وجل وهما السمع والبصر وعقب على ذلك بذكر صفة ثالثة لله عز وجل وهي صفة العلم قم ذكرت آداب النجوى وبعض آداب المجالس وبينت السورة أن الناس كلهم حزبان اثنان لا ثالث لهما حزب الشيطان وحزب الرحمن فأما حزب الشيطان فإنهم يوالون من حاد الله ورسوله وأما حزب الرحمن فإنهم لا يصلون ولا يحبون إلا أولياء الله وأتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا بإيجاز عرض سريع لأهم ما تضمنته السورة الكريمة سورة المجادلة من الأحكام والآداب فلنستمع للآيات المباركات التي سنعيش في رحابها ليلتنا هذه إن شاء الله تعالى قبل الخوض في تفاصيلها سائلين الله عز وجل أن ينجز لنا ما وعدنا حيث قال (وَإِذَا قرئ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
{ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (5) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9)
إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)
التفسير :
{ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (29) }
{ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) }
{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) }
سبب نزول صدر هذه الآيات أو صدر هذه السورة سورة المجادلة أن أوس ابن الصامت ظاهر من زوجه خولة بنت ثعلبة وكان شيخا كبيرا به لمم سأل امرأته شيئا فأبطأت عليه فغضب عليها فقال أنت علي كظهر أمي ثم تركها وخرج فجلس في نادي قومه ساعة وطابت نفسه وسكنت ثورته فعاد إلى البيت فأراد امرأته عن نفسها فقالت لا والله لا أمكنك من نفسي وقد قلت ما قلت قالت فوثب علي فدفعته أو غلبته بما تغلب به المرأة الشابة الرجل الكبير ثم أتيت جارتي فاستعرت منها جلبابا يعني ليس عندها جلباب تخرج به يعني ليس لديها إلا الملابس التي عليها لاتصلح للخروج وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقراء في المال ولكن كانوا أغنياء النفوس وكانوا سعداء كانوا سعداء وعاشوا عيشة هنية راضية وكان الوضع على ما كانوا عليه إلى عهد قريب أدركنا آبائنا قبل أربعين سنة الواحد عندما يريد أن يخرج يذهب إلى شخص أخر ويستعير منه الملابس للخروج الآن نتقلب في نعم الله صباحا ومساء والرجل منا عنده بدل الثوب الخمسة وستة وسبعة وملابس صيفي و ملابس ربيعي و ملابس خريفي و ملابس شتوي هذا يوجب الشكر حتى يتم الله علينا النعمة وإلا فإن كفر النعمة يعرضها للزوال { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) }
{ وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) } قالت فغلبته بما تغلب به المرأة الشابة الرجل الكبير فأتيت جارتي فاستعرت جلبابا منها ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في حجرة عائشة فقلت يا رسول الله إن أوس ابن الصامت تزوجني وأنا شابة مرغوب في حتى إذا أفنا شبابي وأكل مالي ونثرت له بطني جعلني عليه كظهر أمه فقال صلى الله عليه وسلم ما أراكي إلا قد حرمتي عليه وكان الظهار في الجاهلية وصدر الإسلام قبل نزول سورة المجادلة يحرم المرأة على زوجها ولا يطلقها فلا هي زوجة تعيش عيشة الأزواج ولا هي مطلقة فتحل لغير زوجها ولكن معلقة محرمة على زوجها وانتهت فأفتاها النبي صلى الله عليه وسلم بالوضع القائم قال ما أراكي إلا قد حرمتي عليه قالت يا رسول الله إن لي منه أولادا إن ضممتهم إلي جاعوا لو حضانة الأولاد عندي من أين اطعهمهم سيكونا جياع وان هو اخذ حضانتهم ولو ضممتهم إليه ضاعوا من سيربيهم فالأولاد لا يستغنون عن أمهم ولا عن أبيهم إن ضممتهم إلي جاعوا وإن ضمهم إليه ضاعوا قال ما أراكي إلا قد حرمتي عليه فلما لم تجد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حلا لمشكلتها قالت إذا أشتكي إلى الله أشتكي إلى الله